الشيوعي الفلبيني: وجه الرأسمالية في الصين
ترجمة: شريف الزهيري
نُشِرَت هذه المادة في الموقع الرسمي للحزب الشيوعي الفلبيني. لقراءة المقال باللغة الإنكليزية اضغط هنا.
في إطار الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استعرضت الصين أسلحتها الجديدة وقواتها المسلحة لتتباهى بقوتها الإمبريالية. كما هو الحال في حربها التجارية، تُثبِّت الصين للدول الرأسمالية الكبرى، وخاصةً الولايات المتحدة، أنها مستعدة للانخراط في الصراع الإمبريالي المتعاظم، بينما تطمح إلى توسيع نفوذها وسيطرتها في جميع أنحاء العالم.
عملت الصين، في السنوات الفارطة، على تحديث قواتها المسلحة إلى حدٍ كبير. وفقًا لخطابها الرسمي، فإن هذا يهدف إلى حماية المصالح الداخلية للبلد (بما في ذلك المناطق التي تطالب بها من جانب واحد مثل بحر الصين الجنوبي) والمصالح الخارجية المتزايدة والآخذة في الاتساع.
هذا ما انتهت إليه الصين منذ اتِّباعها المسار الرأسمالي الاستغلالي والقمعي. وخلافًا لما يتوقعه قادتها، فإنه لم يُنفَّذ بطريقة سلمية أو برحابة صدر. في الحقيقة، فرضت الصين هذا التحول عبر الاستغلال الشامل للملايين من مواطنيها وقمعهم، وعبر تدمير المجتمع والاقتصاد الاشتراكيَيْن على نطاق واسع وشامل.
لا يمكن لقيادة الحزب الشيوعي الصيني إخفاء خيانتها للبروليتاريا، والهيمنة الحالية للرأسمالية الاحتكارية في الصين، واضطلاعها بممارساتٍ يمكن اعتبارها عدوانًا إمبرياليًا.
إن خطاباتها الاشتراكية الرنانة وإعلانها أنها لا تزال أمة اشتراكية “ذات خصائص صينية”، ليست سوى حجاب رقيق يُخَيّل للناظر أن الصين تختلف عن غيرها من البلدان الرأسمالية الغربية. فقد حافظت على البنية الخارجية للحزب الشيوعي، جنبًا إلى جنب مع المجالس الشعبية واللجان. ولكن في حقيقة الأمر، فإن الدولة يهيمن عليها الرأسماليون الاحتكاريون داخل الحزب وخارجه، بالإضافة إلى نظرائهم الأجانب.
-
تفكيك ملكية الأرض الجماعية والزراعة
كان أحد أول وأسوأ التدابير التي اتخذها التحريفيون الذين استولوا على الحزب الشيوعي الصيني لتدمير النظام الاشتراكي هو تفكيك منظومة الملكية والإدارة والزراعة الجماعية للأرض. إذْ في أواخر سبعينيات القرن العشرين، بدأت القيادة الصينية في تنفيذ سياسة «إلغاء التجميع» حيث نقلت مسؤولية اللجان التعاونية عن الإنتاج الزراعي وتوزيعه إلى الأسر الفردية. وعلى الرغم من أن الكوميونات احتفظت بملكية الأراضي، فقد مُنِح المزارعون الافراد الحق في زراعة هذه الاراضي لمدة 15 سنة، ثم مددت بعد ذلك إلى 30 سنة. في ظل الصين الاشتراكية، جرى تنظيم الكوميونات كشكل من أشكال الملكية العامة حيث تمتلك الدولة والكوميونات الكبيرة الأراضي، ويُحدَّد الإنتاج بشكل جماعي وتديره الكوميونات، والموارد والثروة تُفيد عامة الناس.
تتكوَّن الكوميونات الصغيرة من5000 أسرة، بينما يمكن أن يصل العدد في الكوميونات الكبيرة إلى 20000 أسرة.
وخلافًا للدعاية التي يبثها الحزب الشيوعي الصيني، الزاعمة تقبُّلَ الناس «بلهفةٍ» و«طواعيةٍ» إلغاء التجميع، كانت مقاومة الفلاحين وكوادر الحزب في المستويات الأدنى ضد السياسة المذكورة بارزةً على نطاق واسع. كانت المقاومة أقوى في المدن الأكثر تطورًا في ذلك الوقت بما فيها شنغهاي وبكين ويونان، والتي أصبحت فيما بعد مراكز الإنتاج الرأسمالي للاحتكارات المحلية والأجنبية. ومع ذلك، فباستخدام آلة الدولة، جرى تنفيذ إلغاء التجميع واستعادة الإنتاج الصغير والمنفصل للمزارعين الأفراد. في المتوسط، لا يملك كل مزارع سوى 0.64 هكتار يرعاها ويحرثها.
بحلول عام 2002، غيَّرتِ الصين سياستها لاستخدام الأراضي وطبقَّت إعادة تركيز الأراضي، ولكن فقط في أيدي القلة. نتيجةً للتمدين “urbanization”، سُمِح للشركات الخاصة والمزارع التجارية الاستيلاءَ الجماعي على الأراضي المملوكة للكوميونات والمزارعين الأفراد. منحت الصين بيروقراطييها في الحكومة سلطةَ الاستيلاء على الأراضي الزراعية وتحويلها إلى الاستخدامات الصناعية أو التجارية أو السياحية. في عام 2008، سمحت الصين بالبيع غير المقيد واستخدام حقوق المزارعين الفرديين كضمان. في عام 2016، كان قد تركز 20٪ من الأراضي الزراعية بالفعل في أيدي الشركات الخاصة والأفراد، في حين ظلت 5٪ مملوكة رسميًا للدولة.
مهدت هذه السياسة الطريق لخصخصة وإعادة تركيز ملايين الهكتارات من الأراضي في أيدي الشركات المحلية والأجنبية. وقد أفضى إلغاء التجميع، ومن ثم الخصخصة، إلى إضعاف التحالف الطبقي بين العمال والفلاحين، والوحدة في الريف والمراكز الحضرية، والتنمية المتوازنة للزراعة والصناعة. خَسِرَ الفلاحون الصينيون، الذين عملوا كقوةٍ أساسية للبناء الاشتراكي، قوتهم السياسية والاقتصادية.
مع تفكيك الكوميونات، أصبح الجوع سائدًا لأن إنتاج الغذاء الكافي وتعظيم الموارد لم يعد مضمونًا. وأُلغيَت آليات الدعم، مثل تعاونيات السوق. ولم تقدم أي إعانات أو حوافز للحلول محل الآليات المذكورة. في السنوات التالية، اضطر العديد من المزارعين إلى التوقف عن الزراعة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، خاصةً بعد توقف الدولة عن فرض ضوابط على أسعار الأسمدة والبِذار.
مع تفكيك الكوميونات، انتهت في الآن ذاته الخدمات التي توفرها مثل الصحة والتعليم. خلال فترة البناء الاشتراكي، استفادت 85٪ من العائلات في الريف من الخدمات الصحية، خاصةً في ظل نظام الأطباء الحفاة. وبحلول عام 2010، انعكس اتجاه الإحصاءات المذكورة (80٪ كانوا محرومين من الخدمات الصحية). وعلى نحو مماثل في السبعينيات، تخرَّج 70% من الشباب الريفي في المدرسة الثانوية. ثم هوى هذا الرقم إلى 10% بحلول نهاية التسعينيات.
وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن نحو 750 مليون شخص في الريف الصيني يعيشون بأقل من دولارين في اليوم. والعديد ممن يعملون في المدن لا يجري احتسابهم رسميًا كمقيمين (250 مليون نسمة تقريبا)، وبالتالي، يُحرمون من الخدمات الاجتماعية. ومنذ ثمانينيات القرن العشرين، باتت فجوة الأجور في الصين بين المناطق الريفية والحضرية الأعلى في العالم.
-
خصخصة الصناعة
أُرغِم المزارعون المطرودين من أراضيهم، على الهجرة إلى المدن بحثًا عن فرص عمل. وطفقوا إلى المدن التي أمست مكتظةً بالفعل، وتنافسوا على الوظائف منخفضة الأجور وذات ظروف العمل غير الإنسانية.
لقد هاجر قرابة 150 مليون مزارع إلى المدن منذ أوائل الثمانينات بسبب إلغاء التجميع في الريف. وتحولوا إلى تجمعٍ للعمالة الرخيصة التي تستغلها الشركات المحلية والأجنبية. فضمن القوى العمل، ارتفع عدد العمال غير الزراعيين من 31% في الثمانينيات، إلى 50% في عام 2000، و60% في عام 2008 ومن المتوقع وصول هذا الرقم إلى 70% بحلول عام 2020.
في التسعينيات، طبقت الصين الخصخصة واسعة النطاق للصناعات العامة. فقد بيعت كل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم تقريبًا، وبعض المصانع العامة الضخمة، بيعت بأسعار زهيدة للغاية أو مُنِحت فعليًا للكيانات الخاصة. واستفاد من هذا الإجراء العديد من المسؤولين الحكوميين (بما في ذلك كوادر الحزب الفاسدة)، ومديري العديد من الشركات، والرأسماليين ممن هم على علاقة بالحزب الشيوعي الصيني. لقد أصبحوا الرأسماليين الجدد في المجتمع الصيني. وتمكنوا من زيادة رؤوس أموالهم بشكل جذري من خلال نهب الممتلكات العامة والشركات، واستغلال العمل الرخيص للجماهير الكادحة. لقد نهب هؤلاء الرأسماليون ما يصل إلى 30 تريليون يوان من ممتلكات الدولة.
منذ الثمانينيات، فتحت الصين الاقتصاد الصيني للنهب الأجنبي. كما أنشأت مناطق تصدير حرة حيث بوسع الرأسماليين الأجانب بناء مصانعهم، من دون دفع الضرائب ومن دون الاضطرار إلى اتباع قوانين العمل، والتمتع بحوافز أخرى مماثلة. في مارس الماضي [مارس 2019 –المترجم]، أقرَّ مجلس الشعب الصيني قانونًا جديدًا للاستثمار الأجنبي فتح اقتصاد البلاد بالكامل لرؤوس الأموال الأجنبية والنهب. وسوف يبدأ سريان القانون في يناير/كانون الثاني 2020.
صورة لخيم إيواء مهاجرين في مدينة خفي التابعة لمقاطعة آنهوي
في المصانع العامة، خَسِرَ عشرات الملايين من العمال وظائفهم وعانوا من الفقر بسبب السياسات التي انتهجها الرأسماليون الجدد باسم “التحديث”. متأسين بالبلدان الرأسمالية المتقدمة، قام الرأسماليون الجدد بتفكيك الضمانات والمزايا المكتسبة والتي جرى النضال لأجلها أثناء البناء الاشتراكي. مُنِح المديرون والرأسماليون السلطة لتوظيف وفصل العمال. واستُبدِل النظام الجماعي القديم لرفع الإنتاجية بحوافز مادية. وأُلغيَت الضمانات الاشتراكية، بما في ذلك الأمن الوظيفي، والمعاش التقاعدي، وإجازة الأمومة، والعديد من المزايا التعليمية والصحية الأخرى. ففي عام 1982، كان الحق في الإضراب، حقٌ أقرَّه وأيَّده الثوريون الصينيون، قد أُزيلَ من دستور البلاد. وكما هي الحال في المناطق الريفية، عارض العمال هذه الخطة على نطاق واسع وبشكل عنيف.
وبسبب هذه السياسات، يتلقى العمال الصينيون الآن أجورًا ومزايا منخفضة للغاية، وساعات عمل أطول، وأماكن عمل خطرة ومشاكل أخرى. كان قدامى عمال المصانع العامة قادرين على النضال من أجل حقهم في الأمن الوظيفي والمزايا الوظيفية، لكن غالبية العمال الجدد يعملون الآن بعقود. أما في مناطق التصدير الحرة، يعمل العمال لمدة تصل إلى 12 ساعة في اليوم، وسبعة أيام في الأسبوع. وهم يعيشون في مساكن مكتظة بأسعار مرتفعة للمياه والطاقة. وثمَّة حالات يضطر فيها العاملون للعمل لمدة تصل إلى 15 ساعة يوميًا، وقد يستدعيهم الرأسماليون إلى العمل في أي وقت يحلو لهم.