فرانكو موريتي ودومينِك بيستري: لغة البنك -لغة تقارير البنك الدولي (2 من 2)
تاريخ التحديث: 6 يوليو 2020
ترجمة: علاء بريك هنيدي
من المترجم:
تنشر لكم المُتَلَمِّس هذه الدراسة على جزأيْن، إذْ أتت بالأساس في قسمين يتناول أولهما الدلالات (Semantics)، فيما الثاني يتناول الأنماط النحوية. مع ذلك، فلئن أتاح لنا هذا التقسيم الثنائي نشرَها على جزأيْن، إلّا أنَّه من الواجب قراءتهما معًا لكي تكتمل الفكرة التي اشتغل عليها الباحثان. ومرد هذا التقسيم، لا يقع في ورود الدراسة في قسمَيْن، بل يقع في اعتباراتٍ تقنية وهذا أولًا، وثانيًا في أنَّ نص الدراسة طويل ومجهد قد يصرف القارئ عن متابعة قراءته، فبنشرها على جزأيْن ستكون أسهل وأيسر للمتابعة.
هذه الدراسة تستقي عنوانها من تعبيرٍ صاغه جورج أورويل في روايته 1984 ألا وهو "اللغة الجديدة" "Newspeak"، حيث يجري تطويرها [أم أقول مسخها؟] لتُوصِل إلى متلقيها رسالةً يُريدُ واضع هذه اللغة [أي السلطة] إيصالها، وبما أنَّ اللغة وعاء الفكر فينتج بالمعية أنَّها تقولب فكر ووعي مستخدمها في شكلٍ اختِيرَ له سلفًا. على هذا الأساس وافتراقًا عن عالم الرواية، ولكن اختراقًا لعالم المؤسسات الدولية، يزيل الباحثان عن أعيننا غشاوةً، فعلًا وحقيقةً، إذْ كُنا في غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْا عَنا غِطَاءَنا فَبَصَرُنا الْيَوْمَ حَدِيدٌ.
لا يسعني، أخيرًا، إلّا أنْ أؤكد مرةً أخرى على ضرورة قراءة الجزأيْن، وعدم الاكتفاء بأحدهما دون الآخر، فهذه الدراسة تستحق عناء المعافرة والنزول إلى النهر والتقاطها...
نُشِرَت هذه الدراسة في موقع نيوليفت ريفيو، لقراءتها باللغة الإنكليزية اضغط هنا
لقراءة الجزء الأول اضغط هنا
______________________
أنماطٌ نحوية
كانت نتائجنا، إلى هنا، مباشرة: مع تطور الوضع الاقتصادي، تتغيَّر السياسة، واللغة بالمعية؛ لكن البنك نفسه يبقى هو هو. أما الآن فسيتحول اهتمامنا لينصب على مناحٍ من اللغة تغيَّرت تغيُّراتٍ طفيفة، وببطءٍ شديد. ما يمكن تسميته بـ”بَقْرَطة” خطاب البنك –إلَّا أنَّه أكثر من ذلك: إنَّه أسلوبٌ ينتظمُ ذاتيًا حول بضع عناصر، ثم يبدأ بتوليد رسالته الخاصة. دعنا نحاول الشرح بالعودة إلى المقتطفَيْن الواردَيْن ببداية هذه الورقة. ذلك المقتطف من العام 1958، “منظومة النقل الحالية في الكونغو”، كان مليئًا بالأنهار والمزارع والأسواق والسكك الحديدية والموانئ والمناجم والمدن…ما من أوضح من هذا. بينما المقتطف الثاني كان مختلفًا. ها هو مجددًا:
تحقيق المساواة بين الجميع في القضايا العالمية
تبرز بلدان هذه المنطقة كأطراف رئيسية بشأن قضايا هي محل الاهتمام العالمي. وتمثّل دور البنك في مساندة جهود تلك البلدان عن طريق تكوين شراكة من خلال مرتكزات مبتكرة للحوار المستنير والعمل على أرض الواقع. بالإضافة إلى مساندة التعاون فيما بين بلدان الجنوب.
القضايا؛ أطراف؛ جهود؛ مرتكزات؛ الحوار؛ أرض الواقع… يقول [جورج] أورويل في مقالته “السياسة واللغة الإنكليزية”[1]: “الميل العام في النثر الحديث بأكمله يتجه بعيدًا عن الملموس”، تظل كلماته هذه صحيحة اليوم كما كانت في العام 1946. يشدد البنك على أهمية ما يقوله [باستخدامه صفات مثل] –الرئيسي؛ العالمي؛ المبتكر؛ المستنير– لكن تظل كلماته مبهمة. ما الذي يحاول قوله فعلًا –أو إخفاءه–؟
-
“كمية كبيرة من الكلمات اللاتينية تسقط على النص”[2]
يصعب فهم الإبهام أو الغموض، لذا سنفصِّله إلى وحدات أصغر، مبتدئين من تحركه “بعيدًا عن الملموس”. تنتمي المصطلحات (عمل وتعاون) الواردة في المقتطف من العام 2008 إلى فئة من الكلمات تُعرَف بـ “الصيغ الاسمية”[3] أو “الأسماء المجردة المشتقة”؛ وفي هذه الحال هي مشتقة من الأفعال: لـ”يفعل”، لـ”يتعاون”[4]. يمكن التعرّف على هذه المصطلحات في اللغة الإنكليزية من نهاياتها إذْ تنتهي بـ “-tion, -sion, -ment” (تنفيذ/تطبيق “implementation”؛ إرشاد “extension”؛ تنمية “development”)؛ لذا استخرجنا من التقارير كل الكلمات المنتهية بهذه النهايات وفحصنا يدويًا أعلى 600 كلمة (لاستبعاد كلمات “محطة” و”إسمنت”[5] وما شابه). يعرض الشكل رقم (7) النتائج. حيث إنَّ متوسط تكرار الصيغ الاسمية المشتقة من أفعال في النثر الأكاديمي، وفقًا للغويات المدونة الحاسوبية “corpus linguistics”، تساوي 1.3%. بينما في تقارير البنك الدولي فإنَّه يقرب من 3% منذ البداية –مع بلوغه الذروة حوالي العام 1950– ويواصل الارتفاع، ببطء ولكن بثبات، ليستقر على 4% بين 1980 و2005، ثم ينخفض قليلًا بعد ذلك.
يجري استخدام فئةٍ بعينها من الكلمات بأكثر من مرتبن، أو ثلاث أحيانًا، مقارنةً بالخطابات المماثلة[6]. لِمَ؟ ما الذي تفعله الصيغ الاسمية بحيث يستخدمها التقرير بمثل هذا الإلحاح؟ إنَّها تأخذ “الأعمال/الأفعال والعمليات” وتحوِّلها إلى “موضوعات مجردة”، مطبقين تعريفًا لغويًا قياسيًا[7]: أنت لا تدعم البلدان التي تتعاون مع بعضها؛ بل تدعم “التعاون فيما بين بلدان الجنوب”. إنَّه تجريدٌ حيث الزمن مُلغىً فيه. يورِد التقرير السنوي لعام 1990 ما يلي “…تقديم الخدمات الاجتماعية، والدراسات التقييمية القطرية والخطط القطرية التي تساعد في صياغة السياسات والمشروعات الرامية إلى تخفيض عدد الفقراء”[8] –تخلق الصيغ الاسمية الخمسة نوعًا من التزامن بين سلسلة من الأفعال المختلفة عن بعضها البعض في الواقع. تقديم الخدمات الاجتماعية (الفعل الأول) التي تساعد (الفعل الثاني) في صياغة السياسات (الفعل الثالث) الرامية لتخفيض الفقر (الفعل الرابع): يستغرق القيام بهذا وقتًا طويلًا جدًا. لكن بلغة التقرير، فقد انكمشت جميع هذه الخطوات إلى سياسةٍ وحيدة يبدو وكأنَّها أتت إلى الوجود دفعة واحدة. إنَّه السحر.
–يتابع مؤلفو كتاب اللغويات المدونة الحاسوبية– إنَّ الأفعال والعمليات في الصيغ الاسمية “تنفصل عن الأناس المشاركين”[9]: التعاون، وليس الدول التي تتعاون مع بعضها. يندب تقريرٌ آخر صدر مؤخرًا “التلوث وتعرية التربة وتدهور الأرض وإزالة الغابات وتدهور البيئة الحضرية” مع غيابٍ صارخ للفاعلين الاجتماعيين. كل هذه التطورات المشؤومة –وما من أحدٍ مسؤول؟ تدخل “إيلاء الأولوية” إلى التقارير حين تحوم أزمة الديون؛ وهذا يعني، بكل بساطة، أنَّ الدائنين لن يعاملوا على قدم المساومة: سيعوَّض البعض على الفور، وآخرون لاحقًا؛ بعضهم بكامل المبالغ، والبعض الآخر لا. ولا بد طبعًا أنَّ أحدًا ما قد قرَّرَ المعايير التي وفقًا لها سيُعامل “س” بشكلٍ مختلف عن “ص”. بيد أنَّ “إيلاء الأولوية” يُخفي هذا. لِمَ “س” وليس “ص”؟ [الجواب] بسبب إيلاء الأولوية. قبالة هذه الكلمة لا يعود بوسع المرء رؤية –ولا حتى تخيل– ذاتٍ ملموسة تشترك في صنع القرار. “الترحيل”: وكالة أمريكية [أمنية] سرية تخطفُ المواطنين الأجانب لتُسلِّمَهم إلى جهازٍ أمني آخر، في بلدٍ آخر، سيقوم بتعذيبهم. لكن تحت [كلمة] “الترحيل”، كل هذا يختفي. إنَّه السحر[10].
إنَّ هذا التحويل المتكرر للقوى الاجتماعية إلى تجريدات يُحيل تقارير البنك الدولي إلى وثائق ميتافيزيقية غريبة، لا يكون أبطالها الفاعلين الاقتصاديين، بل المبادئ –ومبادئ بطبيعةٍ كونية، يستحيل معارضتها. تحقيق المساواة بين الجميع في القضايا العالمية: ما من أحدٍ سيعترض على هذه الكلمات (على الرغم من أنَّ أحدًا لن يكون بوسعه، بطبيعة الحال، القول ما تعنيه حقًا). إنَّها عامة جدًا، وغالبًا ما تأتي هذه الأفكار بصيغة المفرد: التنمية؛ الحوكمة؛ الإدارة؛ التعاون. إنَّه “الإفراد” “singularization” الذي اكتشفه راينرت كوزليك “Reinhart Koselleck” في فكر أواخر القرن الثامن عشر: حيث أنَّ “التواريخ (Histories) والتي وجدت سابقًا بصيغة الجمع، بوصفها كافة التواريخ التي حدثت” تغدو “التاريخ (History) بالعموم”؛ و”التقدم المتعدد” في جميع الأفرع التقنية والفكرية تتجمّع كلها في “تقدمٍ” واحدٍ وحيد، وهكذا دواليك[11].
كان الإفراد، حسب كوزليك، نتيجةً لـ”التشابك المتزايد للأبنية الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية والسياسية”، مما دفع بالنظرية الاجتماعية لزيادة “درجة عمومية” مقولاتها[12]. وهذا صحيح: فالأسماء المفردة المجردة تتيح لنا التأليف والتعميم، وهي بذلك لا تنفصل عن بناء المعرفة. بيد أنَّ تقارير البنك الدولي لا تُعنى بالمعرفة بالمقام الأول: بل بالسياسة، ولا يوحي الإفراد في السياسة بكبير عمومية، بل بقيدٍ ثقيل. إذْ ثمَّة طريقة واحدة لفعل الأشياء: مسارٌ واحد للتنمية؛ نمطٌ واحد للإدارة؛ شكلٌ واحد من التعاون. ويصعب تصديق أنَّ الفعل “لألّا يتفق” “to disagree” لا يظهر أبدًا في التقارير؛ فيما ظهرت كلمة “عدم الاتفاق” “disagreement” مرتين فقط خلال سبعين سنة[13]. وهذه هي الصيغة التي اشتهرت بها مارجريت تاتشر: ما من بديل. وهذا ما يؤكد عليه الإفراد، لا بالحجج، بل بالـ”الحقيقة” غير المنطوقة لنمطٍ نحوي متكرر. إذْ تتغير سياسات البنك الدولي، كما رأينا، لكن الإفراد لا: فكل سياسةٍ جديدة هي السياسة الوحيدة الممكنة (الشكل رقم (8))[14].
إذا ما قارن المرء الصيغ الاسمية الخمسة والعشرين الأكثر تكرارًا في العقد الأول والعقود الأخيرة لتاريخ البنك، سينتج مجموعتان سياستان مختلفتان: تُحدَّد المجموعة الأولى بكلمات مثل (معدات؛ إنتاج؛ تشييد؛ ري؛ عمليات؛ توزيع؛ إعادة تأهيل؛ إتمام؛ نقل) أما الثانية (إدارة؛ توفير؛ بيان؛ تكييف؛ تقييم؛ تنفيذ؛ تقدير؛ مشاركة؛ فساد؛ خيار). وتشترك المجموعتان بسبع كلمات فقط من أصل خمسٍ وعشرين –كانت كلمة التنمية الأكثر تكرارًا فيهما. (يبيّن المخطط البياني تكرارات المجموعتيْن بعد حذف كلمة التنمية).
يستتبع الانتقال من المجموعات الدلالية إلى التراكيب النحوية –من القسم الأول إلى الثاني في هذه الورقة– تراجعًا في الزخم، إذا جاز التعبير: فمقارنةً بالمسارات الدراماتيكية للأشكال من (1) إلى (6)، مع زياداتهما خمسة أو عشر أضعاف، فإنَّ الانحدار الطفيف في الشكل رقم (7) بالكاد مُلفِت. بيد أنَّ بطؤه يخبرنا بشيء ذا أهمية: أنَّ وراء هذه التغيرات، قد تبلورَ العنصر الأول من “أسلوبٍ” مؤسسي بنجاح. ظلت الصيغ الاسمية متكررة بشكلٍ غير معتاد لأنَّها “عملت” بطرقٍ مترابطة متعددة، إذْ: أخفت ذات صانع القرار واستبعدت البدائل وصبغت السياسة المختارة بهالةٍ من المبادئ السامية وسرعة التنفيذ. لقد كان تجريدهم صدىً مثاليًا لرأس المال الذي غدا فوقحدودي “deterritorialized” أكثر فأكثر؛ فيما أعطتهم بشاعتهم المستحيلة –”إيلاء الأولوية”: بالله عليكم!– موثوقيةً معينة؛ وسمح غموضهم بتكييفاتٍ صغيرة لا نهائية بحيث تحافظ على السلام في النظام العالمي. وبذا، أصبحت كتلة الكلمات اللاتينية مكونًا رئيسيًا في “كيفية حديث المرء عن السياسة”. [وفي اللغة السياسية،] تظهر وتختفي حقول دلالية معينة مع مرجعياتها؛ يمكن للمرء أنْ يُعِدَّها التاريخ الحدثي أو الوقائعي “histoire événementielle” للغة السياسية. يتكوّن النحو من القواعد النحوية والتكرار، وسياسته تواكب الدورات الأطول: للبُنى أكثر من الأحداث. ويحدِّد النحو، لا سياسة البنك، بل طريقة نظم كل سياسة له بالكلام. إنَّه المرآة السحرية التي يمكن أنْ يحدِّق بها البنك ويدرك ذاته كمؤسسة.
-
و…و…و
ناقشنا بإيجاز في التعليق المرفق أسفل الشكل رقم (3) الكلمات المُصاحِبة للحوكمة، لكننا لم نُشِر إلى أنَّ المفاجأة الكبرى أتت من الكلمة المُصاحِبة الأكثر تكرارًا: واو العطف. “واو العطف”؟ يعلم الجميع أنَّ الكلمة الأكثر تكرارًا في اللغة الإنكليزية هي “ال التعريف” “the”. لذا ما الذي تفعله “واو العطف” على رأس القائمة؟ لعل مقطعَيْن من تقرير العام 1999 قد تساعداننا على التوضيح:
تطوير أنظمة إدارة الشركات وسياسات المنافسة، وإصلاح وخصخصة المشروعات المملوكة للدولة؛ وإصلاح سوق العمل/الحماية الاجتماعية
هناك مزيد من التركيز على الجودة، والقدرة على الاستجابة للاحتياجات والشراكات؛ وعلى تقاسم المعرفة والتوجه نحو المتعاملين مع [أي العملاء] البنك بتخفيض أعداد الفقراء.[15]
إنَّ المقطع الأول –مسخٌ سياسي نحوي– هدية صغيرة لقرّائنا الصبورين؛ أما الثاني، الأكثر إبهامًا، فهو أكثر دلالة على الرطانة المعنية. فما من أي رابطٍ يجمع بين تقاسم المعرفة والتوجه نحو المتعاملين؛ كما لا يرتبط تخفيض أعداد الفقراء بأيٍ منهما. ما من سبب منطقي لوجوب ظهورها سويةً. ولكن هذه “الواوات” تربط بينها وكأنَّها الشيء نفسه، وعلى الرغم من الغياب الكامل للمنطق، فإنَّ تجانبهم أو إِردَافَهم الفج يغدو مبررًا: إذْ لدينا الكثير من الأمور المهمة لفعلها، فلا يمكننا أنْ نكونَ أنيقين في عملنا؛ أجل، لا بد أنْ نعتني بعميلنا (تذكر، إنَّنا بنك)؛ لكننا نعتني أيضًا بالمعرفة والشراكة والتقاسم والفقر!
تردد “لغة البنك”، التي كتبناها، صدى الكلمة المستحدثة التي صاغها أورويل؛ لكن ثمَّة فرق واحد شديد الأهمية بين واضعي معجم 1984 والكُتَّاب الشبحيين للبنك. في حين كان الفريق الأول مبهورٌ بالإفناء (“إنَّ تدمير الكلمات شيء جميل…فالكلمات تتناقص عامًا بعد عام، كما يتضاءل مدى الوعي والإدراك شيئًا فشيئًا”[16])، فإنَّ للفريق الثاني متعة طفولية في مضاعفة الكلمات، وعلى الأخص الأسماء. يقارب تكرار الأسماء في النثر الأكاديمي 30% عادةً؛ لكن في تقارير البنك الدولي كانت أعلى بكثير، وقد ازدادت ببطء وبانتظام على مدى السنين. إنَّها رطانة تامة أنْ تضع “الدولي” إلى جانب “البنك”: “تعدادٌ عشوائي”[17] لوقائع متباينة –على حد تعبير ليو شبيتزر “Leo Spitzer”– يوحي بكونٍ متوسّع بلا نهاية، محفِّزًا إحساسًا بالإعجاب والتعجب بدلًا من الفهم النقدي.
في البداية، كان تكرار حرف العطف “و” في تقارير البنك الدولي بحدود 2.6%، وهذا مساوٍ لمتوسطه في النثر الأكاديمي. لكن حضوره تضاعف تقريبًا خلال الستين سنة الأخيرة (بل إنَّه أكثر حتى، قرابة 7%، مساوٍ لمعدل تكرار كلمة “الحوكمة”).
يعطي المقطع الأخير الذي اقتبسناه –عن “التوجه نحو المتعاملين” و”تخفيض أعداد الفقراء”– مثالًا جيدًا لعادةٍ أخرى في كلام البنك الدولي ألا وهي: استخدام اسمٍ لتعديل اسمٍ آخر. إليك بعض الأمثلة حول هذه “الأسماء المضافة”، كما تسمى عادةً، من تقرير العام 2012:
مدى فاعلية عملياته [أي البنك –م]، بما في ذلك جودة عملياته وأنشطته المعرفية وتوجهها نحو تحقيق النتائج، وأداء حافظة إقراضه، ودمج المساواة بين الجنسين في عملياته، والمرئيات والملاحظات التقييمية التي ترفعها البلدان المتعاملة معه، واستخدامه للأنظمة القطرية.[18]
تضمن أجندة عملنا القضايا المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، والأمن الغذائي، وتغير المناخ والتنوع البيولوجي، والاستثمار في مرافق البنية التحتية، واتقاء الكوارث، والأدوات المالية المبتكرة، والاشتمال.[19]
يشرح كتاب قواعد لونجمان “Longman Grammar” الأسماءَ المضافة على أنَّها شكلٌ من التعديل القبلي “pre-modification”: ففي صيغة “تخفيض الفقر” “Poverty reduction”، على سبيل المثال، تعدل كلمة “الفقر” “poverty” كلمةَ “تخفيض” “reduction” بقدومها قبلها (لكن في صيغة “the reduction of poverty”[20] فهي تقوم بذلك بظهورها بعدها، هذه حالة تعديلٍ بعدي “post-modification”). ثمَّة فرق: يوضِّح مؤلفو كتاب لونجمان أنَّ المعدِّلات القبلية لكونها “أكثر تكثيفًا مقارنةً بالمعدِّلات البعدية فهي أيضًا أقل وضوحًا في تحديد معنى العلاقة”[21]. إذن هذه هي: أكثر تكثيفًا وأقل وضوحًا. بدايةً، مكثَّف أي: كلامٌ سريع وموجز بل ونَزِق؛ إنَّها لغة مَن لديه الكثير ليقوله ولا وقت ليضيعه. ثمَّ لدينا مسألة الوضوح. في صيغة “the reduction of poverty”، لنظل على نفس المثال، إذا علمت معنى كل كلمة لوحدها ستعلم أيضًا ما يعنيه التعبير [ككل]: الكل يساوي مجموع أجزائه. لكن في صيغة “Poverty reduction”، كما في صيغة “disaster prevention”[22] أو “competition policies”[23]، لا يساوي الكل مجموع أجزائه؛ كما رأينا، فهذا تعبيرٌ مرمَّز –برموز “خطاب الإدارة”– يرتبط معناه أكثر بـ”المناهج” و”الأطر” مقارنةً بارتباطه مع “التوظيف” و”الدخل”. يكتب تقرير العام 2012 عن “الأمن الغذائي”، ما هو هذا على وجه التحديد؟ إنَّه في المقام الأول نقيض “عدم الأمن الغذائي”؛ وهو بالمقابل اصطلاحٌ استحدثته الأمم المتحدة –نصفه صقلٌ مفاهيمي، ونصفه الآخر تورية بيروقراطية– لما اعتدنا تسميته بـ”الجوع”. إنْ لم تعرف الترميز الجديد فستكون الكلمات المفردة بلا فائدة[24].
تبلغ، هنا، العملية التي ابتدت مع ظهور الصيغ الاسمية ذراها (وللصيغ الاسمية قرابة اختيارية “elective affinity” مع الأسماء المضافة: “فاعلية العمليات”؛ “التوجه نحو تحقيق النتائج”؛ “اتقاء الكوارث”…): تنضم “كتلة الكلمات اللاتينية” إلى صفوف الترميز الداخلي لـ”خطاب الإدارة” جاعلةً الواقع الاجتماعي عصي على الفهم بصورةٍ متزايدة. لكن يبقى سؤالٌ وحيد: كيف غدا هذا الشكلُ الملتوي من التعبير الخطابَ الرائد في العالم المعاصر؟
-
من هنا وإلى الأبد
يتساءل برونو لاتور “Bruno Latour” وستيف وولغار “Steve Woolgar” في كتابهما حياة المختبر “Laboratory Life” عن المصير الغريب للفرضيات العلمية: أفكارٌ يبدأ وجودها كـ”عباراتٍ خلافية”، محاطةً بكافة أشكال الاعتراضات، لكنها عند نقطةٍ ما تتمكن من “الاستقرار”، ويجري قبولها كـ”حقائق” خالصة وبسيطة. كيف تفعل ذلك –كيف تغدو أفكار البنك الدولي الخلافية مقبولةً كأفقٍ “طبيعي” لكل السياسات الممكنة؟ إنَّ الخطوة المفتاحية، كما يكتب وولغار ولاتور، تأتي مع “تحرير” العبارات من “كافة محددات الزمان والمكان، ومن كل إشارةٍ لمنتجيها”[25]. تبيّن الأشكال رقم (10-11) كيف تعامل البنك بحسمٍ مع هذه “المحددات”.
بين العامين 1946 و2008، انخفض تكرار الظروف الزمانية (“الآن”، “مؤخرًا”، “لاحقًا”، وغيرها) بأكثر من 50%. وبالنظر إلى أنَّ هذه الظروف هي الطريقة الأبسط لوضع الأحداث في نظامٍ زماني منسَّق، فإنَّ غيابهم يشير إلى إضعافٍ بالغ للإحساس بالزمن في تقارير البنك الدولي.
يزداد ذكر الدول الوطنية في الخمسينيات ويستقر في الستينيات مع الاعتراف بالعديد من الدول الإفريقية. وفي أواخر السبعينيات، بعد أنْ سارا بالتوازي بهذا القدر أو ذاك لبضع سنوات، فإنَّ تكرارات الدول والأسماء المختصرة تتباين بشكل كبير؛ إلى حد أنَّ تكرارات الأخيرة تزيد بأربعة أضعاف عن الأولى: في إشارةٍ واضحة إلى أنَّ الممثل الجيوسياسي حيث “محددات المكان” بالغة الأهمية يتضاءل الآن أمام الهيئات العابرة للقوميات –لا فقط الأمم المتحدة “UN” وصندوق النقد “IMF” ومنظمة التجارة “WTO” ومنظمة الأغذية والزراعة “FAO”، لكن أيضًا لجنة المنظمات الراعية “COSO” ومجلس معايير المحاسبة المالية “FASB” والأوراق الاستراتيجية للحد من الفقر “PRSP”، وما إلى ذلك حسب الرغبة –حيث يبدو أنَّ المسافة قد جرى تجاوزها كليةً.
ليست عدم المبالاة المتزايدة إزاء المكان والزمان مسألةَ كميةٍ وحسب. إذا نظر المرء إلى الفقرات المقتبسة من التقارير سيسترعي انتباهه تفصيلةٌ واحدة: لقد تغيرت نهايات التقارير بشكلٍ كامل. فيما يأتي بعض الأمثلة من العام 1955:
تم الإنتهاء بالكامل من مصنعِ حديث، موَّله من بنك التنمية، لتجهيز البن بالقرب من مدينة جيما، مركز منطقةٍ هامة لإنتاج البن.
جرى تركيب مقاسم هاتف آلية في مدينة أديس أبابا وغوندار، ومقاسمَ يدوية في مدنٍ أخرى.
لقد شجَّع هذا الاستثمارَ في صناعات كصناعة المعادن والكيماويات والتي تعتبر مستهلكًا كبيرًا للطاقة، وقد أدَّى بالنرويج لتطوير قدرات توليد أعلى بالنسبة للفرد مقارنة مع أي دولةٍ أخرى.
جيما، أديس أبابا، غوندار، النرويج: تقترن الخصوصية الجغرافية، في هذه الجمل، مع إحساسٍ قوي بالزمن. “تم الإنتهاء” من مصنع تجهيز البن؛ “جرى تركيب” مقاسم الهاتف؛ “قد أدى” الاستثمار. ينصب التركيز على النتائج؛ تنتهي الفقرة حين تنتهي العملية؛ والفئة النحوية المعنية هنا (“الجانب” الخاص بزمن الفعل) هي [فئة] “التام”، والتي تشير إلى أنَّ فعلًا أو عملًا قد اكتمل أو تم. ويصح هذا أيضًا حتى على الحالات الأكثر تعقيدًا وتشابكًا، كهذه من العام 1948:
أشارت نتائج البعثة إلى أنَّ العوامل التي قد أنتجت موقعًا مواتيًا للعملات الأجنبية في الفيلبين كانت مؤقتة، وشدَّدت على ضرورة أنْ تحفظ هذه العملات، وتقيِّد التمويل المحلي التضخمي، وتتخذ إجراءات كيما تخفِّف من أثر الانخفاض المتوقع في مقبوضات الدولار، وأنْ تؤمِّن المساعدة الفنية لتخطِّط مشاريع إنمائية محددة.
يقود الإحساس الأولي بالإنجاز، هنا، (“أشارت”، “قد أنتجت”) إلى أفق الحاضر (“يحفظ”؛ “يقيِّد”)، ثم إلى مستقبلٍ متعدد المستويات: سيكون على الفلبين أنْ “تتخذ إجراءات” (قريبًا) “كيما تخفِّف أثر” (لاحقًا) “الانخفاض المتوقع في المقبوضات” (في فترةٍ ما بين هذَين المستقبَلَيْن). يتشابك الزمن، لكن أبعاده واضحة: فالماضي هو عالم النتائج؛ والحاضر عالم القرارات؛ والمستقبل عالم الفرص والإمكانيات. بيد أنَّ هذا الاختلاف قد تم تمييعه في السنوات الأخيرة. إليك هذه الفقرة الختامية من العام 2003:
تتحرك المؤسسة الدولية للتنمية (IDA) نحو مساندة هذه الاستراتيجيات من خلال الإقراض لأغراض تنفيذ برامج.[26]
أيًا كان الإقراض لأغراض تنفيذ برامج، فالمؤسسة لم تنجزه حتى الآن؛ إنَّها “تتحرك“، أجل، وهذا كل شيء؛ وليست حتى تتحرك نحو فعل [كذا]، بل فقط نحو “مساندة” فعلِ [كذا]. لقد سمعنا، في السنوات الأخيرة، عدة خطبٍ ملتهبة عن “المساءلة”، فنتوقع حضورًا طاغيًا للأزمنة الماضية في لغة البنك؛ ففي آخر الأمر، لا يمكن تقييم المساءلة إلا بالإحالة لما أُنجِز. بدلًا من ذلك، لم تعد الأزمنة الماضية الأسلوب الصحيح “لإنهاء” بيانٍ؛ ونجد محل هذه الأزمنة الزمن الضبابي والهلامي للزمن المستمر وصيغة المصدر (وقد ازداد تكرارهم قرابة 50% على مدار السنين). وههنا بعض الأمثلة الحديثة:
يستفيد من المشروع الثاني لتنمية المناطق الفرعية ما بين 25و30 مليون من سكان الريف الإندونسيين عن طري تزويد القرويين بالأدوات لتطوير مجتمعاتهم المحلية. (تقرير العام 2003)[27]
قام البنك بتعجيل خطى جهوده إلى حد كبير لمساعدة البلدان المتعاملة معه في التغلب على مشاكل تغير المناخ، مع مراعاة جانب آخر من رسالته الرئيسية: تشجيع تنمية الاقتصاد وتخفيض أعداد الفقراء من خلال المساعدة في إتاحة أنواع الطاقة الحديثة للبلدان المتنامي اقتصادها. (2008) [28]
لقد قام البنك بتعجيل –لكن فقط جهوده؛ وستقوم هذه الجهود بـ– مساعدة؛ وكل ما سيقوم به مَن تلقوا المساعدة هو –التغلب على؛ وستقوم هذه المساعدة وهذا التغلب بمراعاة وتشجيع المساعدة (مجددًا!) المتاحة للبدان المتنامي اقتصادها. بيد أنَّه ما من جدوى في البحث عن معنى هذه المقاطع في حدود ما تقوله: ما يهم هنا هو التقارب المُقام بين وضع السياسات والصيغ المنتهية بـ (-ing). إنَّها رسالة العناوين الرئيسية التي لا حصر لها والمؤطرة لنص التقارير: “العمل مع أشد البلدان فقرًا”؛ “مساندة الأجندة الخاصة بالبلدان المتوسطة الدخل”؛ “إتاحة الدراسات التحليلية في الوقت المناسب”؛ “تبادل المعارف”؛ “تعزيز النمو وخلق فرص العمل”؛ “سد الفجوة الاجتماعية”؛ “تدعيم الحوكمة”؛ “تحقيق المساواة بين الجميع في القضايا العالمية”[29]. كل رفع المعنويات المفرط –وكل الضبابية بالمقابل: لأنَّ وظيفة المصادر تتمثل في ترك إتمام الفعل بلا تحديد، حارمةً إياه بذلك من أي إطارٍ محدد. فيظهر حاضر متوسعٌ بلا نهاية، حيث تكون السياسات فيه في حالة تقدمٍ دائم، ولكن هذا الحاضر أيضًا في حالة تقدم وحسب. إذن، فالكثير من الوعود والقليل القليل من الحقائق. سبق وكتب لامبيدوزا في روايته الفهد “إذا أردنا أن يبقى كل شيءٍ على حاله، فينبغي أن يتغيَّر كل شيء”[30]؛ ويحدث الأمر نفسه هنا. كل شيءٍ يتغيَّر وما من أي إنجاز. كل شيءٍ يتغير وما من مستقبل.
-
هوامش الجزء الثاني [1] – جورج أورويل؛ ت. عدي الزعبي. “السياسة واللغة الإنكليزية“، (الجمهورية: 22/7/2017). [2] – بالأساس اقتباس من مقالة أورويل “السياسة واللغة الإنكليزية”. (م) [3] – nominalization: وتترجم أيضًا إلى “التأسيم” و”النقل إلى الاسمية” وفيها تحوَّل الصفة أو الفعل أو المصدر أو الحرف إلى اسم. (م) [4] – انظر بخصوص الصيغ الاسمية:
Douglas Biber, Susan Conrad and Randi Reppen, Corpus Linguistics: Investigating Language Structure and Use, Cambridge 1998, p. 60ff; and Douglas Biber, Stig Johansson, Geoffrey Leech, Susan Conrad and Edward Finegan, Longman Grammar of Spoken and Written English, London 1999, p. 325ff.
[5] – تنتهي هذه الكلمات بنفس النهايات المشار إليها أعلاه ولكنها ليست مُضافة إليها ولم تخضع للتحويل بل هي من أصل الاسم لذلك استبعدها الكاتبان بحيث يتبقى فقط الكلمات المحوَّلة. (م) [6] – لا يعني هذا، بالطبع، كل صيغة اسمية يزداد تكرارها. فبالتوازي مع التحولات الدلالية المبينة في الصفحات السابقة، فإنَّ العديد من المصطلحات المرتبطة بالعمليات السياسية [تشريع؛ تمثيل]، وبالجهود الدبلوماسية بين الدول [اتفاقية؛ تفاوض]، أو أشكال التيقظ النقدي [فحص؛ بحث] غدت أقل تكرارًا بصورةٍ ملحوظة على مر السنين: احتلت كلمة اتفاقية المركز الخامس كأكثر الصيغ الاسمية تكرارًا في التقارير المبكرة، أما اليوم فهي في المركز الخامس عشر؛ أما كلمة تشريع فقد تراجعت من المركز الحادي والثلاثين إلى المركز التاسع والتسعين، وعلى هذا قِس. في المقابل، تمتعت مصطلحات أخرى بصعودٍ لامع: كانت كلمة الإدارة في المركز الثامن عشر في بداية نشاط البنك، أما اليوم فهي في المركز الثاني؛ ولم تكن أي من الكلمات التالية (تنفيذ؛ تكييف؛ تقييم؛ التزام؛ تقدير) ضمن المراكز المائة الأولى، أما اليوم فهم في المراكز (الثامن؛ التاسع؛ الحادي عشر؛ الثالث عشر؛ الرابع عشر). انظر أيضًا الشكل رقم (9) في الأسفل.
[7] – Biber et al, Corpus Linguistics, p. 61ff.
[8] – مقتبس من “التقرير السنوي للبنك الدولي 1990” ص73. (م)
[9] – Biber et al, Corpus Linguistics, p. 61ff.
[10] – يتسق السحر الأسود، في الحالة هذه، مع حقيقة أنَّ “الكتابة والخطاب السياسيَيْن محاولة للدفاع عمَّا لا يمكن الدفاع عنه”، كما يوردها أورويل في مقالته المنشورة في 1946. ومن المثير للاهتمام أنَّ أورويل نفسه قد وجد الصيغ الاسمية –”كمية كبيرة من الكلمات اللاتينية تسقط على النص كثلجٍ خفيف، لتشوّش الفكرة وتغطي على التفاصيل”– متضافرةً مع الظاهرة التي كان يصفها حيث يكتب: “تُقصف القرى الآمنة من السماء…يُسمّى هذا إعادة السلام. يُنتزَع ملايين الفلاحين من مزارعهم ويُشرّدون في الطرقات، لا يملكون إلا ما يستطيعون حمله: يُسمّى هذا إعادة توطين السكان أو تصحيح الحدود. يُسجن الناس لسنوات دون محاكمة، ويطلق النار عليهم من الخلف أو في العنق أو يُرسلون إلى معسكرات من خشب في القطب الشمالي: يُسمّى هذا التخلص من العناصر غير الموثوقة” (‘Politics and the English Language’, 1946, now in The Collected Essays, Journalism and Letters of George Orwell, vol. iv, 1945–50, Harmondsworth 1968, p. 166). إنَّ الشكل السياسي-العسكري لأمثلة أورويل يجعلها بطبيعة الحال مختلفة تمامًا عن الصيغ الاسمية للبنك؛ وكمت هو متوقع فإنَّ “ إعادة السلام” و” إعادة التوطين” و”التخلص” لا تُستخدَم البتة في التقارير. نشكر دالاس ليدل “Dallas Liddle” على إشارته لهذا الجانب من مقالة أورويل.
[11] – Reinhart Koselleck, ‘On the Disposability of History’, and ‘Neuzeit: Remarks on the Semantics of Modern Concepts of Movement’, in Futures Past: On the Semantics of Historical Time, Cambridge, ma 1985, pp. 200, 264.
[12] – بالطبع ليس هامشيًا البتة أنَّ “التواريخ” قد غدت “التاريخ بعامة” في سياق محدد لأوروبا أواخر القرن الثامن، إذْ كانت تمد سلطانها على القارات الأخرى باطراد. وفي هذا الصدد، ولَّد الإفراد المعرفة والتراتبيات في وقتٍ واحد، مُخضعًا النظام العالمي لمنظورٍ أوروبي وحيد. [13] – يصعب تصديق أنَّ ثلاثة أشخاص منفصلين تفحَّصوا أربع حالات منفصلة –كانت نتائجهم متطابقة دومًا. وفيما يتعلق بـ”يوافق” و”اتفاقية”، فقد ظهرا 88 و1773 مرة على التوالي. [14] – تزيد حقيقة أنَّ الأفعال/الأعمال تُمتصُ في الأسماء، في الصيغ الاسمية، من الإحساس بعالمٍ ذي بُعدٍ أحادي. فإذا ما تكلم المرء عن “المدير” يكون بوسعه (نظريًا على الأقل) تخيُّلهم يتصرفون بأكثر من طريقة؛ أما إذا ما تحدث عن “الإدارة” “management” فإنَّ شكل النشاط قد تحدَّد سلفًا في المصطلح ومضمَّنٌ به. [15] – مقتبس من “التقرير السنوي للبنك الدولي 1999” ص 46 وص135. (م) [16] – جورج أورويل؛ ت.أنور الشامي. 1984. (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2006 ط1) ص61-63. (م) [17] – بالإنكليزية “chaotic enumeration”: مصطلح سكه ليو شبيتزر يشير إلى حالة جمع اعتباطي لمجموعة من الأشياء في عبارة واحدة. (م) [18] – مقتبس من “التقرير السنوي 2012” ص13. (م) [19] – المرجع السابق، ص1. (م) [20] – لا يوجد فرق عند ترجمة هاتين الجملتين إلى العربية فكلتاهما تترجم إلى “تخفيض الفقر” أو “الحد من الفقر”، لذلك أُرفِقَ الأصل الإنكليزي لتبيان مقضد الكاتبين. (م)
[21] – Biber et al, Longman Grammar of Spoken and Written English, pp. 588, 590.
[22] – بالعربية اتقاء الكوارث وهي من التقرير أعلاه. (م) [23] – بالعربية سياسات المنافسة. (م) [24] – والمقصد أنَّ البنك يريد التواصل بالترميز. أشرنا أعلاه إلى التجربة التي جرت على مصاحِبات “الفقر” و”الحد من الفقر”؛ ولكن الفكرة الأولية كانت مختلفة قليلًا: فقد قصدنا مقارنة صيغة “poverty reduction” و”the reduction of poverty”، لرؤية إذا ما كان ثمَّة أي اختلافات دلالية بين المُعدِّلات القبلية والبعدية. على أي حال، كان علينا هجر فكرتنا حين وجدنا أنَّ ثمَّة 1198 تكرارًا لصيغة “poverty reduction” و38 تكرارًا فقط لصيغة “the reduction of poverty”. وهذا جنون بالطبع، لكنه يوضِّح على الأقل وبصورة تامة أنَّه ما من تكافؤ بين المُعدِّلات القبلية والبعدية عند البنك الدولي، وأنَّه يفضِّل، بلا خجل، التركيب الأكثر تلغيزًا بين التركيبَيْن.
[25] – Bruno Latour and Steve Woolgar, Laboratory Life: The Construction of Scientific Facts, Princeton 1986, pp. 106, 105, 175.
[26] – مقتبس من “التقرير السنوي للبنك الدولي 2003” ص94. (م) [27] – المرجع السابق، ص98. (م) [28] – مقتبس من “التقرير السنوي للبنك الدولي 2008” ص20. (م) [29] – جميع الكلمات الواردة بلونٍ غامق ضمن علامتَيْ تنصيص تنتهي في اللغة الإنكليزية بـing وهي صيغة المصدر “gerund”: حيث تدخل اللاحقة ing على الفعل في المصدر جاعلةً منه اسمًا. (م) [30] – جوزيبِّه تومّازي دي لامبيدوزا، ت. عيسى الناعوري. الفهد. (ميلانو: منشورات المتوسط، 2017 ط1) ص47. (م)